فصل: (النازعات: الآيات 27- 46)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{وَالنازعات غرقاً وَالناشطات نَشْطاً وَالسابحات سَبْحاً فالسابقات سَبْقاً فالمدبرات أَمْراً} الواو واو القسم أقسم تعالى بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد وجواب القسم بهذه الأمور التي أقسم اللّه بها محذوف أي {والنازعات} وكذا وكذا لتبعثنّ، و{غرقاً} يجوز فيه أن يكون مصدرا على حذف الزوائد بمعنى إغراقا وانتصابه بما قبله لملاقاته له في المعنى أو بفعل محذوف وإما على الحال أي ذوات إغراق.
وعبارة أبي البقاء {غرقاً} مصدر على المعنى لأن النازع هو المغرق في نزع السهم أو في جذب الروح وهو مصدر محذوف الزيادة أي إغراقا.
وعبارة الزمخشري: أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد. إلى أن يقول {غرقاً}: إغراقا في النزع أي تنزعها من أقاصي الأجساد. وقيل {النازعات} الخيل أقسم بخيل الغزاة التي تنزع في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنّة لطول أعناقها لأنها عراب.
و{الناشطات نشطا} عطف على {والنازعات غرقاً} وكذلك قوله: {والسابحات سبحا}، وفي المختار: السباحة بالكسر العوم وقد سبح يسبح بالفتح والسبح الفراغ والسبح أيضا التصرّف في المعاش وبابه قطع وقت.
{فالسابقات سبقا} عطف على ما تقدم وكذلك {فالمدبرات أمرا}، والفاء فيهما للدلالة على ترتبهما بغير مهلة وأمرا مفعول به بالمدبرات وجواب هذه الأقسام محذوف كما تقدم.
{يوم ترجف الراجفة} {يوم} ظرف زمان متعلق بالجواب المحذوف ولك أن تعلّقه بما دلّ عليه قوله الآتي {قلوب يومئذ واجفة} أي يوم ترجف وجفت القلوب، وجملة {ترجف الراجفة} في محل جر بإضافة الظرف إليها.
{تَتْبَعُهَا الرادفة} الجملة في محل نصب حال من {الراجفة} أي ترجف تابعة لها {الرادفة} و{الرادفة} فاعل {تتبعها}.
{قُلُوبٌ يومئِذٍ واجِفَةٌ أَبْصارُها خاشِعة} {قلوب} مبتدأ وسوّغ الابتداء بالنكرة أنه موصوف و{يومئذ} ظرف أضيف إلى مثله متعلق بـ: {واجفة} و{واجفة} صفة لـ: {قلوب} و{أبصارها} مبتدأ و{خاشعة} خبر {أبصارها} والجملة الاسمية خبر {قلوب}، وأضيفت {الأبصار} إلى {القلوب} على حذف مضاف أي أبصار أصحابها.
{يَقولونَ أإنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} الجملة خبر لمبتدأ مضمر أي هم يقولون، و{يقولون} فعل مضارع مرفوع وفاعل والهمزة للاستفهام الإنكاري لأنهم أنكروا الرد ونفوه، وإن واسمها واللام المزحلقة ومردودون خبر إنّا و{في الحافرة} متعلقان بمردودون و{في} بمعنى إلى أي إلى الحافرة، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال وتكون (في) باقية على معناها ويكون معنى الحافرة الأرض التي قبورهم فيها والمعنى أإنا لمردودون ونحن في الحافرة.
وفيما يلي عبارة الراغب عن الحافرة: وقوله: {في الحافرة} مثل لمن يرد من حيث جاء أي أنرد إلى الحياة بعد أن نموت وقيل {الحافرة} الأرض التي قبورهم فيها ومعناه أإنا لمردودون ونحن في الحافرة أي في القبور وقوله: {في الحافرة} على هذا في موضع الحال، وقيل رجع فلان على حافرته ورجع الشيخ إلى حافرته أي هرم كقوله تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر}، و{الحافرة} قيل فاعلة بمعنى مفعولة وقيل على النسب أي ذات حفر والمراد الأرض، والمعنى: أإنا لمردودون في قبورنا أحياء، وقيل: {الحافرة} جمع حافر بمعنى القدم أي أنمشي أحياء على أقدامنا ونطأ بها الأرض.
{أَإِذا كُنَّا عِظاماً نخرة} الاستفهام تأكيد لمضمون إنكار الرد ونفيه بنسبته إلى حال منافية له، وإذا ظرف مستقبل والعامل فيه يدل عليه مردودون أي أئذا كنّا عظاما بالية نردّ ونبعث مع كوننا أبعد شيء عن الحياة.
{قالوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرة} كلام مستأنف مسوق لحكاية كفر آخر متفرع على كفرهم السابق، و{تلك} مبتدأ والإشارة إلى الرجعة والردّة في الحافرة و{إذا} حرف جواب وجزاء لا عمل لها جيء بها لإفادة تأكيد الرجعة الخاسرة و{كرة} خبر {تلك} و{خاسرة} نعت لـ: {كرة}.
{فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ} الفاء متعلقة بمحذوف معناه لا تستصعبوها فإنما هي زجرة واحدة بمعنى لا تحسبوا الكرة صعبة على اللّه تعالى فإنما هي سهلة هينة بقدرته تعالى.
و{إنما} كافّة ومكفوفة و{هي} مبتدأ و{زجرة} خبر و{واحدة} نعت لـ: {زجرة} أي نفخة واحدة وسمّيت النفحة زجرة لأنه يفهم منها النهي عن المنع والتخلّف عنه.
{فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} الفاء الفصيحة لأنها أفصحت عنشرط مقدّر أي فإذا نفخت وإذا فجائية وقد تقدم القول فيها و{هم} مبتدأ و{بالساهرة} خبر.

.البلاغة:

1- في قوله: {يوم ترجف الراجفة} مجاز إسنادي، فقد جعل سبب الرجف راجفا وفي القرطبي: وأصل الرجفة الحركة قال اللّه تعالى: {يوم ترجف الأرض}، وليست الرجفة هاهنا من الحركة فقط بل من قولهم: رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا أي أظهر الصوت والحركة ومنه سمّيت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وإفاضة الناس إليها.
2- وفي قوله: {تلك إذا كرة خاسرة} مجاز إسنادي، فقد أسند الخسار للكرة والمراد أصحابها والمعنى إن كان رجوعنا إلى القيامة حقا فتلك الرجعة رجعة خاسرة.
3- وكذلك في قوله: {فإذا هم بالساهرة} أسند السهر إلى الأرض البيضاء مجازا كما أسندوا إليها النوم في ضدها، قال الأشعث بن قيس:
وساهرة يضحي السراب مجللا ** لأقطارها قد جبتها متلثما

والساهرة الأرض البيضاء لأن السراب يجري فيها ووصفت بالسهر لأن السائر فيها ساهر لا ينام خوف الهلكة فهو مجاز عقلي ومجللا خبر يضحي أي ساترا لأقطارها وجوانبها يقول: رب مفازة يسترها النهار بسراب يشبه حبل الفرس قد أتيتها لابسا اللثام خوف الحر والريح.

.[النازعات: الآيات 15- 26]

{هَلْ أَتاكَ حديث مُوسى (15) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طوى (16) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تزكى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (19) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (20) فَكَذَّبَ وَعَصى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (22) فَحَشَرَ فَنادى (23) فَقال أنا رَبُّكُمُ الْأَعلى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الْآخِرَةِ وَالْأُولى (25) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (26)}.

.الإعراب:

{هَلْ أَتاكَ حديث مُوسى} كلام مستأنف مسوق لتسلية رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على تكذيب قومه له، و{هل} بمعنى قد وقيل هي للاستفهام التقريري والمعنى أليس قد أتاك حديث موسى و{أتاك} فعل ماض ومفعول به و{حديث موسى} فاعل.
{إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طوى} {إذ} ظرف لما مضى من الزمن متعلق {بحديث موسى} لا بـ: {أتاك} كما يتوهم لاختلاف وقتيهما وجملة {ناداه} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{ناداه} فعل ماض ومفعول به و{ربه} فاعل و{بالواد} متعلقان بـ: {ناداه} وحذفت ياء {الوادي} اتباعا لرسم المصحف، و{المقدس} صفة للوادي و{طوى} بدل وقد تقدم الكلام فيه مطوّلا، وقد قرئ بالتنوين وتركه.
قال الجوهري: و{طوى} اسم موضع بالشام تكسر طاؤه وتضم ويصرف ولا يصرف فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة.
{اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} الجملة مقول قول محذوف تقديره فقال اذهب ويجوز أن تكون جملة مفسّرة للنداء و{إلى فرعون} متعلقان بـ: {اذهب} وإن واسمها وجملة {طغى} خبرها وجملة {إنه طغى} تعليل للأمر بالذهاب.
{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تزكى} الفاء عاطفة وقل فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{هل} حرف استفهام معناه العرض لاستدعائه بالملاطفة والملاينة والمداراة و{لك} خبر لمبتدأ محذوف تقديره رغبة و{إلى أن تزكى} متعلقان بالمبتدأ المضمر أي هل لك رغبة في التزكية ومثله هل لك في الخير أي هل لك رغبة في الخير، وأصل {تزكي} تتزكى حذفت إحدى التاءين أي تتطهر من الشرك وجملة الاستفهام مقول القول وأن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بـ: {إلى} كما تقدم.
{وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى} الواو حرف عطف {وأهديك} عطف على {تزكى} والكاف مفعول به و{إلى ربك} متعلقان بـ: {أهديك}، {فتخشى} عطف على {أهديك}، جعل الخشية غاية للهداية لأنها ملاك الأمر وجمّاع التقوى ومتى خشي الإنسان ربه لم يصدر عنه إلا الخير.
{فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى} الفاء عاطفة على محذوف يعني فذهب فأراه، وأراه فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو والهاء مفعول أرى الأول و{الآية} مفعول أرى الثاني و{الكبرى} صفة للآية وهي قلب العصا حيّة أو اليد.
{فَكَذَّبَ وَعَصى} عطف على ما تقدم.
{ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى} {ثم} حرف عطف للترتيب مع التراخي وأتى بها لأن إبطال الإيمان ونقضه يقتضي زمانا طويلا وجملة {يسعى} حال من الضمير في {أدبر}.
{فَحَشَرَ فَنادى فَقال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعلى} عطف أيضا وجملة {أنا ربكم الأعلى} مقول القول.
{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الْآخِرَةِ وَالْأُولى} الفاء عاطفة وأخذه اللّه فعل ماض ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر و{نكال الآخرة والأولى} مفعول مطلق فهو مصدر لأخذ والتجوّز إما في الفعل أي نكل بالأخذ نكال الآخرة والأولى وإما في المصدر أي أخذه أخذ نكال ويجوز أن يكون مفعولا لأجله أي لأجل نكاله.
واقتصر الزمخشري على المصدرية المؤكدة قال: هو مصدر مؤكد كوعد اللّه وصبغة اللّه كأنه قيل نكل اللّه به نكال الآخرة والأولى.
ويجوز أن يكون انتصاب {نكال} بنزع الخافض أي بنكال، ورجح الزجّاج أنه مصدر مؤكد.
وفي المصباح ونكل به ينكل من باب قتل نكلة قبيحة أصابه بنازلة ونكل به بالتشديد مبالغة والاسم النكال. و{الآخرة} و{الأولى} صفتان لكلمتي {فرعون}. فالكلمة الآخرة هي قوله: {أنا ربكم الأعلى} والكلمة الأولى قوله قبلها: {ما علمت لكم من إله غيري}، وكان بين الكلمتين- على ما قيل- أربعون سنة.
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى} {إن} حرف مشبه بالفعل و{في ذلك} خبر إن المقدم واللام لام الابتداء المؤكدة وعبرة اسم إن المؤخر و{لمن} صفة {لعبرة} وجملة {يخشى} صلة من.

.[النازعات: الآيات 27- 46]

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (27) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دحاها (30) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (31) وَالْجِبالَ أَرْساها (32) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (33) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (34) يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (35) وَبرزت الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (43) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (44) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (45) كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (46)}.

.اللغة:

{سَمْكَها} رفعها يقال سمك يسمك من باب نصر الشيء رفعه ويقال سمك اللّه السماء، وقال الفرزدق:
إن الذي سمك السماء بنى لنا ** بيتا دعائمه أعزّ وأطول

والسمك مصدر سمك والسقف أو من أعلى البيت إلى أسفله والقامة من كل شيء.
{فَسَوَّاها} جعلها مستوية ملساء ليس فيها ارتفاع ولا انخفاض.
{وَأَغْطَشَ} في القاموس: غطش الليل يغطش من باب ضرب أظلم كأغطش وأغطشه اللّه.
وقال الراغب: وأصله من الأغطش وهو الذي في عينه عمش والتغاطش التعامي. ويقال أغطش الليل قاصرا كأظلم فأفعل فيه متعدّ ولازم.
{دحاها} دحا الأرض يدحوها دحوا ودحى يدحى أي بسطها ومدّها فهو من ذوات الواو والياء فيكتب بالألف والياء.

.الإعراب:

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها} الهمزة للاستفهام التقريعي والتوبيخي وأنتم مبتدأ و{أشد} خبر و{خلقا} تمييز و{أم} حرف عطف و{السماء} عطف على (أنتم) وجملة {بناها} حالية كأنها بيان لكيفية خلقها ويجوز أن تكون مفسّرة لا محل لها ويجوز أن تعرب {السماء} مبتدأ خبره محذوف تقديره أشد خلقا.
{رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها} الجملة بدل من جملة {بناها} تابعة لها و{رفع سمكها} فعل ماض ومفعول به وفاعل مستتر تقديره هو يعود على اللّه تعالى، {فسوّاها} عطف على {رفع}.
{وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها} عطف على ما تقدم و{ليلها} مفعول {أغطش} و{ضحاها} مفعول {أخرج}.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دحاها} الواو عاطفة و{الأرض} منصوب على الاشتغال بفعل محذوف يفسّره ما بعده و{بعد ذلك} ظرف متعلق بـ: {دحاها} وجملة {دحاها} مفسّرة.
{أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها} الجملة مفسّرة لما لابد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكل والمشرب وإمكان القرار عليها، ويجوز أن تكون حالية بإضمار قد أي مخرجا وهو قول الأكثرين وإن كنت أميل إلى القول الأول و{منها} متعلقان بـ: {أخرج} و{ماءها} مفعول به {ومرعاها} عطف على {ماءها} والمرعى هنا مصدر ميمي بمعنى المفعول.
{وَالْجِبالَ أَرْساها} الواو عاطفة و{الجبال} نصب على الاشتغال أيضا كما تقدم والجملة معطوفة على الأولى.
{مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ} {متاعا} مفعول لأجله أي فعل ذلك تمتيعا لكم واختار زاده في حاشيته على البيضاوي أن يكون مصدرا لفعله المحذوف المدلول عليه بسياق الكلام أي متّعناكم بها تمتيعا وليس ببعيد، و{لكم} متعلقان بـ: {متاعا} و{لأنعامكم} عطف على {لكم}.
{فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى} الفاء عاطفة للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها كما ينبئ عليه لفظ المتاع وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط وجملة {جاءت} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{الطامة} فاعل و{الكبرى} نعت للطامة و{الطامة} القيامة.
وفي المختار: جاء سيل فطم الركية أي دفنها وسوّاها وكل شيء كثر حتى علا وغلب فقد طمّ من باب ردّ يقال فوق كل طامّة طامّة، ومنه سمّيت القيامة طامة والطم بالكسر الجرّ يقال جاء بالطم والرّم أي بالماء الكثير.
وعبارة الزمخشري {الطامة}: الداهية التي تطم على الدواهي أي تعلو وتغلب وفي أمثالهم: جرى الوادي فطم على القرى. وهي القيامة لطمومها على كل هائلة وقيل هي النفخة الثانية.
وجواب إذا محذوف يدل عليه التفصيل المذكور والتقدير كان من عظائم الأمور ما لا يخطر في بال ولا تراه عين ولا تسمع به أذن.
{يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى} {يوم} بدل من إذا بدل بعض من كل وجملة {يتذكر} في محل جر بالإضافة والعائد محذوف تقديره يتذكر الإنسان فيه ولك أن تجعله بدلا مطابقا أو كلّا من كل يعني إذا رأى أعماله مدوّنة في كتابه تذكرها وكان قد نسيها و{الإنسان} فاعل يتذكر و{ما} موصولة أو مصدرية.
{وَبرزت الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى} عطف على {جاءت} و{برزت} فعل ماض مبني للمجهول و{الجحيم} نائب فاعل و{لمن} متعلقان بـ: {برزت} وجملة {يرى} لا محل لها لأنها صلة من.
{فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى} الفاء استئنافية والكلام مستأنف مسوق لبيان حال الناس في الدنيا ولهذا كان جعل الفاء جوابا لإذا متهافتا غير وارد وأما حرف شرط وتفصيل و{من} اسم موصول في محل رفع مبتدأ وجملة {طغى} لا محل لها {وآثر} عطف على {طغى} و{الحياة} مفعول به و{الدنيا} نعت للحياة والفاء واقعة في جواب أما وإن حرف مشبّه بالفعل و{الجحيم} اسمها و{هي} ضمير فصل أو مبتدأ و{المأوى} خبر إن والجملة خبر من وأل في {المأوى} عوض عن الضمير العائد على من وقيل العائد محذوف أي هي المأوى له والأول مذهب الكوفيين والثاني مذهب البصريين.
{وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى} الجملة عطف على الجملة السابقة.
وعبارة الرازي: وهذان الوصفان مضادّان للوصفين المتقدمين فقوله: {وأما من خاف مقام ربه} ضد قوله: {فأما من طغى} وقوله: {ونهى النفس عن الهوى} ضد قوله: {وآثر الحياة الدنيا} فكما دخل في ذينك الوصفين جميع القبائح دخل في هذين جميع الطاعات.
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها} الجملة مستأنفة مسوقة لحكاية نوع آخر من تعنتهم، و{يسألونك} فعل مضارع وفاعل ومفعول به و{عن الساعة} متعلقان بـ: {يسألونك} و{أيان} اسم استفهام في محل نصب على الظرف الزماني متعلق بمحذوف خبر مقدم و{مرساها} مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها تفسير لسؤالهم عن الساعة أي متى إرساؤها أي إقامتها وإثباتها أو منتهاها ومستقرها من مرسى السفينة وهو حيث تنتهي إليه وتستقر عنده.
{فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها} {فيم} خبر مقدّم وتقدم حذف ألف ما الاستفهامية إذا سبقت بحرف جر و{أنت} مبتدأ مؤخر و{من ذكراها} متعلقان بما تعلق به الخبر والمعنى أنت في أي شيء من ذكراها والجملة لا محل لها كأنها إنكار وردّ لسؤالهم عن الساعة وبيان لبطلان السؤال.
وقيل: {فيم} إنكار لسؤالهم وما بعده من الاستئناف تعليل للإنكار أي فيم هذا السؤال ثم ابتدئ فقيل {أنت من ذكراها} أي فـ: {فيم} ليس خبرا مقدما لما بعده بل هو خبر مبتدأ محذوف أي فيم هذا السؤال الواقع من الكفرة فتم الكلام عنده ثم استأنف بجملة {أنت من ذكراها} بيانا لسبب الإنكار عن سؤالهم كأنه قيل إنها قريبة غير بعيدة لأنك علامة من علاماتها فإرسالك يكفيهم دليلا على دنوها والاهتمام بتحصيل الاعتداد لها فلا معنى لسؤالهم عنها فمعنى {أنت من ذكراها} أنت من علاماتها ومذكراتها.
{إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها} {إلى ربك} خبر مقدّم و{منتهاها} مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة.
{إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها} {إنما} كافّة ومكفوفة و{أنت} مبتدأ و{منذر} خبر و{من} مضاف إليه وجملة {يخشاها} صلة من لا محل لها.
{كَأَنَّهُمْ يوم يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها} كأن واسمها و{يوم} ظرف زمان متعلق بما في كأن من معنى التشبيه وجملة {يرونها} في محل جر بإضافة الظرف إليها وجملة {لم يلبثوا} خبر كأنهم و{إلا} أداة حصر و{عشية} ظرف زمان متعلق بـ: {يلبثوا} و{أو} حرف عطف و{ضحاها} عطف على {عشية}.
وعبارة الزمخشري فإن قلت كيف صحّت إضافة الضحى إلى العشية؟
قلت: لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد.
فإن قلت: فهلّا قيل إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة؟
قلت: للدلالة على أن مدة لبثهم كأنها لم تبلغ يوما كاملا ولكن ساعة منه عشيته أو ضحاه فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته فهو كقوله: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهار}.